أكدت دول أوروبية أن الحديث ما زال مبكراً عن استرجاع ثروة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي عمد توزيع هذه الأموال في استثمارات مختلفة بشكل يصعب تعقبها، والخبراء يؤكدون أن مبارك أغنى من بيل غيتس نفسه.
انتصرت "ثورة الشباب" في مصر وتنحى حسني مبارك عن السلطة، وبات الطريق مفتوحاً للنظر في تهم الفساد الموجهة لمسئولين مصريين عملوا خلال حكم مبارك ولمبارك نفسه أيضاً، فقد نجح الضغط الجماهيري عبر الشفافية والكشف عن تفاصيل فساد النخبة التي حكمت مصر، في دفع حكومة تصريف الأعمال إلى أن تبدأ هذه الملاحقات سعيا لتجميد الحسابات المصرفية لهؤلاء المسئولين.
وفي هذا السياق يقول المحلل الاقتصادي العراقي فلاح شفيع في حوار خاص مع دويتشه فيله إن "هناك طرق قانونية متعددة للمطالبة بهذه الأموال واسترجاعها، لكن هذه الطرق تعتمد في المقام الأول على علاقة الدولة المصرية الجديدة مع الدول التي هُربت إليها هذه الأموال واستثمرت فيها". ويضيف الخبير الاقتصادي أن الخطوة الأولى لاستعادة هذه الأموال تبدأ من مصر نفسها، "فإذا ما تمكنت الدولة المصرية الجديدة من تنظيم أوراقها وأعادت بناء مؤسساتها المالية على قاعدة الشفافية، فمن الممكن حينها تعقب هذه الأموال المهربة والوصول إليها".
لكن يبدو أن القائمين على هرم السلطة حاليا وبعد تنحي مبارك لم يجرؤوا بعد على ضم اسم مبارك إلى قائمة الأشخاص المطلوب تجميد حساباتهم في المصارف الغربية. ففي الوقت الذي أُعلن فيه عن أن العواصم الغربية تلقت طلباً من مصر لتجميد حسابات تجميد مبارك وعائلته والمقربين منه في المصارف الأوروبية، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية اليوم الثلاثاء (15 شباط/ فبراير) عن مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية قوله إن طلب الحكومة المصرية استثنى حسابات مبارك. وأضاف المصدر بالقول: "لدينا طلبات تتعلق بمسئولين آخرين".
وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية أيضاً إن القاهرة أصدرت قائمة بأسماء سبعة مسئولين في النظام المصري السابق قدمتها للاتحاد الأوروبي لتجميد حساباتهم، لكن المسئولين الأوربيين أشاروا إلى أن اسم مبارك لم يكن بينهم.
عقبات قانونية
ويقول شفيع إن مسألة التقصي عن ثروة مبارك تصطدم بصعوبات وعقبات قانونية تتعلق بالطرق التي تم فيها استثمار هذه الأموال. وبحسب شفيع فإن مبارك وعائلته اتبعوا ثلاث طرق في توظيف هذه الأموال أولها تقوم على مشاركة بعض رجال الأعمال في الدول العربية لإقامة مشاريع، وثانيها "شراء أسهم وسندات أوروبية وأمريكية"، وثالثها "شراء عقارات في أوروبا ودول الخليج".
ويرى الخبير الاقتصادي أن مسألة "الحسابات المصرفية، والتي يصعب الحصول على معلومات عنها نظراً للسرية التي تُحاط بها عادة، ليست سوى جزء من مجمل أموال رموز النظام المصري السابق".
وعلى الرغم من تضارب الأنباء حول طلب الحكومة المصرية تجميد أرصدة مبارك وعائلته، فقد كانت سويسرا أول الدول التي أصدرت قراراً بتجميد الأصول المالية لمبارك وعائلته المودعة في مصارفها. وحث خبراء مكافحة الفساد دول العالم الأخرى على الاحتذاء بقرار سويسرا. وكانت مسألة تجميد الحسابات المصرفية لمبارك وعائلته اليوم الثلاثاء على طاولة بحث وزراء المالية لدول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل. وأكد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله أن مصر طلبت من ألمانيا تجميد الحسابات المصرفية لمسئولين بارزين في النظام المصري السابق، من دون التطرق إلى حسابات مبارك.
لكن رئيس مجموعة اليورو، جان كلود يونكر أكد من جانبه على أن الاتحاد الأوروبي سيحذو حذو سويسرا في تجميد حسابات مبارك وعائلته، بيد أنه أعلن أنه من المنتظر أن يكون القرار النهائي وتفاصيل هذه الخطوة من شأن وزراء خارجية دول الاتحاد في اجتماعهم الاثنين القادم.
ويؤكد بعض الخبراء أنه سيكون من الصعب الكشف عن جميع الأرصدة المالية لمبارك، التي تزيد عن 70 مليار دولار، والتي تتجاوز ثروة بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت للبرمجيات. وعلى الرغم من هذه الثروة الخيالية، إلا أن الجهات الرسمية المصرية تتحدث عن أن راتب مبارك الشخصي باعتباره رئيساً للدولة كان ضئيلاً للغاية، إذ لم يكن يتجاوز 808 دولار فقط شهرياً، بحسب هذه المصادر.
وكان الفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية أحد أسباب انطلاق المظاهرات التي أدت إلى سقوط نظام مبارك، في مصر التي يبلغ الدخل اليومي لسكانها الذي يتجاوز عددهم 80 أكثر من مليون نسمة، أقل من دولارين. وخلال فترة حكم مبارك التي امتدت لثلاثين عاماً كان رجال الأعمال المقربون من عائلة مبارك، يرتبطون بعلاقات تجارية مع النظام، وكانت أموال الدولة ينتهي بها المصير في حسابات خاصة.
وبحسب تقرير لصحيفة بازلر تسايتونغ السويسرية فإن خبراء مكافحة الفساد يؤكدون أن الجزء الأكبر من ثروة مبارك تعود في الأصل إلى صفقات عقدت في تسعينات القرن الماضي، تم من خلالها خصخصة الكثير من المؤسسات والشركات والأراضي التابعة للدولة.