طفل حتى ولو كان فى بطن أمه إن أخبرته ولو بالهمس بما فعلته وزارة الداخلية طوال الأيام الماضية، وتحديدا خلال "جمعة الغضب" وما بعدها، سيقول لك إن التحقيق مع وزيرها حبيب العادلى وكبار قيادات أجهزة الأمن لابد أن يكون فعلا واقعا وسريعا دون رحمة أو رأفة ويفضل أن يتم فى ميدان عام أمام أعين أهالى الشباب الذين انفطرت قلوبهم بسبب الرصاص الحى الذى تم إطلاقه على المتظاهرين دون رحمة، وأمام كل سيدة أو طفل أصيب بالرعب بسبب فوضى الإنسحاب الأمنى ليلة "جمعة الغضب"، أما إذا وضعنا فى اعتبارنا تاريخ وزارة الداخلية الأسود طوال السنوات الماضية، وانهيار الوزارة بأكملها فى 4 ساعات أمام مجموعة من المتظاهرين العزل، فالأمر طبعا لن يحتاج أى محاكمة بل سيحتاج إلى أذل أنواع العقاب التى قد تناسب شدة وبشاعة هذا الجرم المسمى بوزارة الداخلية المصرية مع اعتذارنا للشرفاء من أبنائها حتى وإن كانوا قلة.
محاكمة وزير الداخلية حبيب العادلى وكبار قيادات الوزارة والمسئولين عن الأجهزة الأمنية التى شاركت فى مهزلة أيام الغضب، من الأمور المعلومة بالضرورة للطفل فى بطن أمه كما وضحنا فى السطور القادمة، ولكن يبدو أن السادة فى وزارة الداخلية الجدد وبقايا العصر القديم لا يعلمون ما قد يعلمه الأطفال وهو أمر قد يبدو منطقى إذا وضعنا فى الاعتبار أن الوزارة التى أوهمتنا لسنوات بقوة أجهزتها ورعب أفرعها الأمنية لم تنجح فى تقدير حجم الموقف فى 25 يناير وفشلت وانهارت بشكل لم يحدث فى العالم من قبل حتى مع الشرطة المدرسية فى مدارس الإبتدائى.
ما فعله حبيب العادلى فى جمعة الغضب جرم يضعه فى قوائم المجرمين التى يجب ألا تأخذ العدالة بهم أى رأفة أو رحمة، ما فعله حبيب العادلى وقيادات وزارة الداخلية فى "أيام الغضب" وما شهده أسفلت ميدان التحرير وكوبرى قصر النيل من دماء شهداء ومصابون شباب شرفاء أمر يضعهم فى دفاتر ذلك الوطن السوداء، بل وفى الشنط السوداء التى تستخدمها مصر فى أمر واحد ومحدد تعرفونه بالفطرة.
العالم كله الذى تابع أداء وزارة الداخلية فى أيام التظاهرات الأخيرة يدرك تلك الحقيقة الأن إلا السادة المسئولين فى الوزارة، وإن كنت أشك أنهم يعرفون جيدا بشاعة الجرم الذين ارتكبوه وقسوة العقاب الذين يستحقونه ولكنهم يحالون بخباثتهم المعتادة، ومكرهم الساذج الالتفاف على الأمر، وإلا بماذا يمكن أن نفسر تلك البيانات الغريبة والمتناقضة والمرتبكة التى تصدر عن الوزارة بخصوص هذا الشأن، فبعد أن صدر أمر واضح وصريح بمنع حبيب العادلى من السفر وتقديمه لمحاكمة علنية على فشله وعلى جرائمه توالت أنباء التحقيق مع قيادات أخرى فى وزارة الداخلية خصوصا تلك التى ترأس أجهزة حساسة ومهمة ولها علاقة مباشرة بأحداث أيام الغضب، وبالفعل تم الإعلان عن وضع 4 من قيادات وزارة الداخلية رهن الإقامة الجبرية، وتجميد أرصدتهم فى البنوك، تمهيدا للتحقيق معه، وطبقا لأمور المنطق والعقل فحدوث ذلك أمر طبيعى لأنهم شركاء وزير الداخلية فى كل الجرائم سواء بالتخطيط أو بالتنفيذ، ومع ذلك خرجت وزارة الداخلية ببيان آخر لينفى تلك الأخبار ويؤكد عدم اعتقال تلك القيادات الأمنية أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية ولأن من يكتب بيانات وزارة الداخلية أو يصدر أخبارها للإعلام دائما شخصا نائما أو مغيبا أو ينتمى لتلك الفئة التى قال عنها المثل الشعبى"متأمر و..." فإنه يفضح وزارته بنفسه، مثلما حدث فى هذا البيان الذى خرج لينفى تحديد اقامة القيادات الأربعة المسؤلة عن أجهزة أمن الدولة والأمن العام والأمن المركزى دون أن ينفى واقعة التحقيق معها بل على العكس أكد واقعة التحقيق وقال إنهم جاهزون للمثول للتحقيقات فى أى وقت، ولا أعرف بأى منطق تخيل السيد الأمنى المسؤل عن ذلك التصريح أن الناس لن تشم بسهولة رائحة النفى الخبيث فى تلك الأخبار أو الردود أو البيانات، فكيف لسيادته أن يتخيل أن الناس قد تصدق بسهولة أن وزير الداخلية تم إحالته للتحقيق وتم تحديد إقامته ومنعه من السفر بينما مساعدوه على تنفيذ جرائمه وتجاوزاته سيظلون على مكاتبهم وكأن شيئا لم يكن؟.
لا أعرف من المسؤل الآن عن إدارة تلك الشئون فى وزارة الداخلية، ولا أعرف إن كان أحد من حرس الوزارة الجديد مسؤل عن تلك البيانات، ولكن كل ما أعرفه أن وزارة الداخلية تحتاج إلى مبيد فعال وقوى ليقوم بتطهيرها من كل بقايا التجبر والسذاجة الأمنية وحالة التضخم التى "فساها" الشباب بإبرة تظاهرة طولها 4 ساعات فقط، وربما يكون من الأفضل أن يدرك النظام ذلك وبسرعة إن لم يكن قد أدرك أن ماحدث فى أيام الغضب من حرق لأقسام الشرطة دليل ورسالة رمزية على أن هذا الجهاز هو المسؤل عن الجزء الأكبر من الغضب الكامن فى نفوس أهل مصر، ولذلك لن يقبل المصريون أى تهاون فى محاكمة هؤلاء الذين تخيلوا لسنوات أنهم فوق البشر.