الرابع من شهر مايو عام 1928 ليس يوما مشؤما لأنه قد ولد إنسان ما فى هذا اليوم ، فهو يوم من أيام الله ، ولكن المفارقة هى أن إسم هذا المولود "محمد حسنى مبارك" فليس فى إسمه أى شيئ يدل على معناه ، فلم نعرف فيه إى إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم نرى منه حسنا ، ولم نشعر أن دولته فيها أى أثر للبركة ، ولذلك إنتهت حياته إلى ما إنتهت إليه ، فيجلس هذا العام فى يوم ميلآده وحيدا على سرير المرض أو سرير الموت ، يندب حظه العثر أنه لم يجد شعبا آخر يستغفله غير الشعب المصرى (يستغفله من الغفله) . ومع ذلك يبقى السؤال مطروطا : كيف أمكن لمثل هذا "الزول" أن يحكم مصر كل هذه السنين و ينشر العفن و الفساد فى أرجاء البلآد.
لماذا لم يثر الشعب المصرى طوال هذه السنين بهذا الشكل الذى حدث يوم 25 يناير هذا العام ليتخلص من هذا الطاغية وأعوانه؟
هل الإجابة فعلآ فيما قاله العقاد رحمه الله بأن الظلم نفسه لآ يولد الثورة ، ولكن الإحساس بالظلم هو الذى يولد الثوره؟
فى طفولتى رأيت جملآ ينهال صاحبه عليه ضربا موجعا ومؤلما بعدما أجلسه على الأرض وربط رجله حتى لآ يقف ، ولقد رأيت بأم عينى الشعور بالإنكسار فى عينى هذا الجمل ، وأنا متأكد أن الدموع كانت تسيل من عينيه هذه الإهانات على قارعة الطريق ، فقد رأيتها ، وقد كان من عادة صاحب الجمل أن يفعل به ما فعل من آن لآخر ، ولكن على مايبدوا أن الجمل قرر أن لآ يتحمل هذا الظلم بعد ذلك ، فقد سمعت بعد عدة أيام أن هذا الجمل فتك بصاحبه فتكا لم يبقى فيه نفس ، فقد أرداه قتيلآ.
ولقد رأيت فى طفولتى وما زلنا نرى حتى الآن كيف تضرب الحمير ، ليس بالعصى ولكن بالشوم فما تثور الحمير وما تتظلم. فـحتى الحيوانات يختلف إحساسها بالظلم من حيوان للآخر.
ومازلنا نرى أناس بيننا يرون أن الثوار أو قل الجمال دعاة فتنة فهم فى رأيهم قدخربوا البلآد وأثاروا فيها الفوضى ، هؤلآء لآ يمكن أن تقول عنهم أنهم جمال.