مقدمه
لقد أفتى أحد الذين يدعون العلم بوجوب إستتابة الدكتور محمد البرادعى بسبب رفعه مطالب التغيير المعروفة ، فإن لم يتب فقد وجب قتله.
وأراد أحد الموظفين أن يختلى بزميلته فى العمل بعد خروج باقى الموظفين، فبحث عن مخرج شرعى له حتى يستطيع أن يختلى بزميلته "براحته" لأنه يعلم أن هذه الخلوة محرمة عليه وعليها ، فأفتاه أحد الفقهاه بأن يرضع لبن زميلته أو يشربه بشكل ما ، فتصير أختا له فى الرضاعة وبذلك يستطيع أن يختلى بها متى يشاء.
وقد تلقى ثالث سؤالآ عن حكم الإنتقاب فقال : إن الله تعالى خلق لكل فاكهة قشرة ليصونها ، فللموز مثلا قشر لصيانته ، وبدون هذا القشر يفسد الموز ، والنقاب هو قشرة المرأة التى تحفظها ، والنقاب ينبغى أن يكون لونه أسود لأن السواد رمز الفخامة ، ولذلك فأن رؤساء الدول لآ ينتقلون إلآ بعربات سوداء اللون إظهارا للفخامة والعظمة.
هذه أمثلة لثلآث أحكام من الأحكام التى يمكن أن نقول عليعا أنها "أحكام شرعية معاصرة" بإعتبار أن من أطلقوها يمثلون بشكل ما رجال نطلق عليهم تعبير "رجال الدين" ، فما هى الأسس أو العلل التى بنى عليها هؤلآء المشايخ أحكامهم؟
إن معرفة علل الأحكام شيئ هام لأن ديننا ينبغى أن يكون مبنى على أساس نقلى وعقلى سليم ، ولأن الأحكام الشرعية مرتبطة بعللها وجودا وعدما ، فإذا إنتفت العلة إنتفى الحكم .
ونحن نتناقل أحكاما كثيرة ونقوم بأعمال كثيرة بدون أن نعرف عللها ولآ نكلف أنفسنا بمعرفة هذه العلل ، فدخل ديننا ما ليس منه ، بل وأصبح هناك من يتبع جهالآت ليست من الدين فى شيئ ، ويعتبر من لآ يؤمن بها مارق من الدين.
وما يهمنى فى هذا البحث المختصر المقتضب أن أشير لمسألة تعليل الأحكام حتى يقتنع القارئ أن دين الله ليس كلأ مباح يحق لكل من هب ودب أن يرعى فيه كيف يشاء ، وحتى لآ يخرج علينا كل من هب ودب ليفتينا بما يشاء. وقد إختصرت الكلآم فى هذا الموضوع لأقصى حد وحاولت جعله كلآما بسيطا حتى يكون مناسبا لمن لم يعتادوا القراءة فى مثل هذه الموضوعات ، فأرجوا ألآ يكون إختصارى مخل بهذا الموضوع الهام ، وإن كان هناك خلل أو تقصير فيمكن تداركه بالإضافة والشرح ، والله ولى التوفيق.
تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين :
d]]القسم الأول[/b] هو أحكام تكليفية وهى خطاب من الشارع للإنسان البالغ العاقل المسلم "المكلف" يكلفه بفعل شيى كالصلآة خمس مرات فى اليوم أو بتجنب شي كتجنب الغيبة والتجسس أو يخيره بين فعل شيئ أو تجنبه أى يتساوى الأمر بين فعله وعدم فعله وهو ما نطلق عليه لفظ المباح
والقسم الثانى يسمى أحكام وضعية وهى ما وضع الشارع شيٌ سببا لشيى آخر (السبب والنتيجه) ، كالسرقة سببٌ لقطع اليد ، أو شيئً شرطً لشي كالوضوء جعله شرطً لصحة الصلآة ، أو ما يسمى بالرخصة وهو حكم تخفيفى كقصر الصلآة فى السفر ، وما يسمى بالعزيمة وهو الحكم الأصلى كالصلآة نفسها التى لآ يجوز قصرها إن لم يكن الإنسان على سفر. ويضم هذا القسم الشروط التى تجعل العمل صحيحا أو باطلآ.
وتنقسم الأحكام من وجهة أخرى إلى :
1 – أحكام العقيدة
2 – الأحكام الخلقيه
3 – الأحكام التعبدية كأحكام الصيام والزكاة والصلآة
4 - أحكام المعاملآت الخاصة
5 – أحكام المعاملآت العامة
وقد فصلت شرح هذه الأحكام فى مقال بعنوان "إختصار الإسلآم" فأرجوا ممن أحب أن يعود إليه .
ولقد جمع علماء الفقه أحكام العبادات وأحكام المعاملآت بشقيها الخاص والعام فى بوتقة واحدة تحت إسم الفقه ، وأصبح الفقهاء مسؤولون عن هذه الأنواع الثلآثة من الأحكام.
وكان لهذا الجمع نتائج سلبية على تطور الشريعة الإسلآمية لأسباب ذكرتها فى المقال المذكور منها :
1 – الفصل بين قيادات الأمة السياسية والعلميه
2 – ترك العلماء للأهتمام بالشئون السياسية مما تسبب عنه إهمال أحكام المعاملآت العامة
3 – الفصل بين العلوم المختلفة وتقسيمها إلى علوم شرعية كعلوم القرآن والحديث وأصول الدين والفقه وأصوله ، وعلوم غير شرعية كعلم الإجتماع والسياسة والقانون
4 – نشوء طبقة إقتصر علمها على العلوم الشرعية وأصبح لهم إسم خاص هو "رجال الدين" بمظهرهم الخاص بهم ، وأصبحوا هم المتخصصون فى الحديث عن الشئون الدينيه . وقد إختصر الكثير منهم الأحكام الشرعية بشكل مخل أخرج أحكام المعاملآت العامة من دائرة إهتمامهم.
وكان من نتيجة ذلك أن إختصر الإسلآم كما بينت ، اى إختصرت الشريعة الإسلامية فى أمور تتعلق بشكل أساسى بالعقيدة والعبادات والمعاملآت الخاصة ، أما المعاملآت العامة فقد أهملت تماما لدرجة أنه نشأء الإنطباع أنها ليست من الدين فى شيى ، ولذلك نشأ القول بان الدين شيى والسياسة شيئ آخر، وأنه لآ يجب الخلط بينهما بالرغم من أن الإسلآم لآ يعرف الفصل بين الدين والسياسة. يقول حجة الإسلآم الإمام الغزالى فى كتاب الإحياء : "... الدنيا مزرعة الآخرة ، ولآ يتم الدين إلآ بالدنيا ، والملك والدين توأمان ، فالدين أصل والسلطان حارس ، وما لآ أصل له فمهدوم ، وما لآ حارس له فضائع ، ولآ يتم الملك والضبط إلآ بالسلطان وطريق الضبط فى فصل الحكومات بالفقه." وعلينا أن نستبدل كلمات الملك والسلطان بالدولة والقانون حتى نستطيع فهم هذا النص فهما معاصر.
5 - وهناك سبب آخر ذات أهمية كبيره وهو الذى يتعلق بعنوان هذا البحث و يحتاج إلى تركيز وتفصيل وهو أن جمع أحكام العبادات وأحكام المعاملآت بشقيها هو جمع لشيئين لآ يجتمعان. والسبب فى ذلك يرجع إلى كيفية تعليل أحكام الشريعة الإسلآمية.
فأحكام العقيدة والعبادات أحكام غير معللة ولآ يمكن تعليلها ، ولذا فقد وصفها العلماء بأنها "أحكام غير معقولة المعنى" ، أى غير مبنية على علل معينه ، ومن هنا جاء إطلآق لفظ "التعبدية" عليها ، فتعبير "العبادات" ليست عنوانا للصلآة والزكاة والحج وغيرها ، ولكن "عنوان" للأحكام الشرعية الغير معللة ، بعكس أحكام المعاملآت الخاصة والعامه فهى " أحكام معقولة المعنى" ، أى أنها أحكام معللة أو يمكن الوصول إلى كيفية تعليلها.
وتجنبا لسوء الفهم ينبغى أن أشير إلى أن هناك فرق بين علة الحكم وحكمته سوف أبينه فيما بعد ، فأحكام العقيدة والعبادات وإن كانت غيرمعللة إلآ أننا نستطيع أن نصل لحكمتها بسهولة.
وإليك مثال يوضح ما ذكرت يتعلق بصوم شهر رمضان ، فإذا سألنا : لماذا نصوم شهر رمضان ولآ نصوم شهر شوال؟ ، ولماذا نصوم طوال شهر رمضان وليس النصف الأول منه أو النصف الأخير ؟ ولماذا نصوم من طلوع الفجر الى غروب الشمس وليس العكس فنحن نعمل فى الغالب أثناء النهار؟
فالإجابة هى أن هذه الأسئلة لآ إجابة عليها : فقد أراد الله تعالى أن نصوم بالكيفية التى قررها وليس حسب أمزجتنا ، فمن صام بهذه الكيفية فقد إدى الواجب الذى عليه كمسلم ، ومن لم يصم بهذه الكيفية فلم يؤدى هذا الواجب ، وربنا تعالى لم يبين لنا لماذا ينبغى علينا أن نصوم بهذه الكيفية التى أرادها ، وأرجو من القارئ أن ينتبه لهذه الكلمة "لماذا" لأنها هى التى تبين علة الحكم ، أما حكمة الصيام فقد بينها لنا ربنا تعالى فى قوله : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " فمظنة التقوى هى الحكمة من فرض الصيام علينا.
ونحن نلآحظ أن الفقيه عندما يتكلم عن الأحكام المتعلقة بالعقيدة والعبادات لآ يحتاج أن يجهد نفسه بالبحث عن علة هذه الأحكام لأنها غير معلله ، وهو يقول لنا عليكم أن تفعلوا كذا وكذا ، وإذا سألناه لماذا فسوف يقول : هكذا أراد الله تعالى ، وهذا بلآ شك حق.
ولكن النتيجة هى أن يعتاد الفقيه قليل العلم على عدم البحث عن علة الأحكام حتى إنتقلت هذه العادة الى عدم البحث عن علة أحكام المعاملآت أيضا لأنها عملية ذهنية مرهقة. فإذا تحدث عن أمور المعاملآت فيمكن أن يفعل نفس الشيئ وهو ذكر الحكم بدون ذكر علة له ، أو أن يقول: إتفق رأى العلماء على كذا وكذا بدون أن يذكر علة الحكم أو يناقشه. ولوكان الفقيه الذى قال برضاعة الكبير أجهد نفسه فى معرفة علة هذا الحكم ما كان قال بهذا الكلآم ، والفقيه الذى تحدث عن إنتقاب المرأة لم يقل لنا إلآ رأيه الشخص ويمكن لإنسان أن يوافقه على فكرة القشره التى تحفظ المرأة ، أما مسألة السواد فربما كان عند البعض لون للحزن والكآبة وليس للعظمة والفخامة.
تعريف العلة :
العلة هى صفة فى الشيء او فى السلوك بنى عليه حكمه ، كالإسكار فى الخمر الذى يجعل شربه حراما ، أو الغرر فى العقد الذى يجعله فاسدا. ولو أنتفت صفة الإسكار بأن تحول الخمر إلى خل لأنتفت حرمة إستعماله ، ولو إنتفى الغرر لأصبح العقد صحيحا.
]b] شروط العلة : [/b]
وللعلة شروط ينبغى أن تتوفر فيها حتى يمكن أن يبنى حكم ما عليها ، أهمها :
1 – أن تكون وصفا ظاهرا ، أى يمكن التحقق من وجوده بالحواس الخمس ، لهذا لآ يصح التعليل بأمر خفى لآ يمكن أن يُدرك بحاسة من هذه الحواس .
2 – أن يكون وصفا منضبطا أى لآ يكون متغيرً من وقت لآخر بل ثابتا فى حقيقة الشيئ أو السلوك ويمكن إثبات وجوده فى كل الحالآت التى يسرى عليها الحكم ، ولذلك لآ يجوز التعليل بأوصاف هلامية متغيره من آن لآخر.
3 - أن يكون وصفا مناسبا ، ومعنى مناسب هنا أن يكون مظنة تحقيق حكمة الحكم ، وحكمة كل أحكام الشريعة الإسلآمية هى جلب المصالح ودرأ المفاسد ورفع الحرج عن الناس ، ولذلك لآبد أن تكون العلة مناسبة لتحقيق هذا الهدف وعدم معارضته.
4 – ان تكون العلة متعدية إلى غيرها من الأشخاص أو الأشياء أو السلوك. فأن لم تكن متعديه فلآ يمكن نقلها بالقياس لحالآت مشابهة ، وقد وضع العلماء هذا الشرط خصيصا لأن هناك أحكام خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم و أزواجه لآ يجوز أن تنتقل لسائر المسلمين ، منها على سبيل المثال جواز زواجه من أكثر من أربعة نساء فى وقت واحد ، وحرمة زواج نسائه من إحد غيره بعد وفاته.
مناسبة العلة:
كما ذُكر فى الشرط الثالث فقد ثبت بالإستقراء أن الشريعة الإسلآمية تهدف إلى جلب المصالح للبشر ودرأ المفاسد عنهم ، ورفع الحرج من حياتهم ، ومناسبة العلة تعنى أنها مناسبة لتحقيق هذا الهدف. وقد قسم العلماء مناسبة العلة الى أقسام عدة سوف أذكرها بإختصار ، ولكن علينا أن نأخذ فى الإعتبار أن كلمة "المناسبة" فى هذا السياق مرادفة لكلمة "المصلحة:
1 – المناسب المؤثر : وهى الوصف المناسب الذى رتب الشارع حكما على وفقه وثبت بالنص أو الإجماع إعتباره بعينه علة الحكم الذى رتب على وفقه ومثاله قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض كل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض) فالحكم الثابت بهذا النص هو إيجاب إعتزال النساء فى المحيض . وصوغ النص صريح على أن علة هذا الحكم هو الأذى" ، فالأذى كصفة فى المحيض هى التى أوجبت إعتزال النساء.
ووجه المناسبة فى هذه الصفة التى ترتب الحكم عليها هى تحقيق مصلحة المرأة والرجل فى تجنب الإيذاء المتسبب من الجماع فى المحيض ، ولم أقف لآ فى مختار الصحاح ولآ فى المعجم المفهرس على المعنى الحرفى لكلمة "أذى" ولكن المعنى المعروف والمشهور أن الأذى هو الشيئ المكروه المؤلم ، فقد يكون الأذى المقصود هو الألم الجسدى أو الألم النفسى المصاحب للجماع فى الحيض ، أو أو ربما الضرر الذى يمكن أن يأتى من دم الحيض كنقل الأمراض أو شيئ آخر يعرفه الأطباء.
وقد أطلق على هذه الصفة أنها مؤثرة بسبب ذكر الله تعالى لها كعلة ، والنتيجة أنه طالما أن الله تعالى رتب الحكم عليها فلذلك تؤثر هذه الصفة فى الحكم على كل فعل يتضمن أذى بوجوب التجنب ، أو بمعنى آخر: كل فعل يتضمن أذى بشرط أن يكون هذا الأذى ظاهرا منضبطا فهو فعل يجب تجنبه أو إزالته.
2 – المناسب الملآئم " وهو الوصف المناسب الذى رتب الشارع حكما على وفقه ، ولم يثبت بالنص أو الإجماع إعتباره بعينه علة لنفس الحكم الذى رتب على وفقه ، ولكن:
ا - ثبت بالنص أو الإجماع إعتباره بعينه علة لحكم من جنس الحكم الذى رتب على وفقه
ب – أو إعتبار وصف من جنسه علة لهذا الحكم بعينه
ت – أو إعتبار وصف من جنسه علة لحكم من جنس هذا الحكم
فمتى كان الوصف المناسب معتبرا بنوع من هذه الأنواع الثلآثة للإعتبار كان التعليل به موافقا تصرفات الشارع فى تشريعه وتعليله ، لهذا يسمى هذا الوصف المناسب بالمناسب الملآئم ، أى الموافق تصرفات الشارع.
3 – المناسب المرسل : وهى صفة أو مصلحة لم يعتبرها الشارع فى تعليل الأحكام وفى نفس الوقت لم يمنع من ذلك ، أى تركها مرسلة بدون قيد ، وهذه الصفة أو الصفات ، أو بمعنى آخر المصلحة أو المصالح هى ما يطلق عليها تعبير "المصالح المرسلة"
فإذا أردنا التعليل بالمصلحة المرسلة فلآ بد أن يتوفر فيها الصفات الأخرى وهى أن تكون مصلحة ظاهرة ومنضبطه.
وهذه المصالح المرسلة بنى عليها الصحابة رضوان الله عليهم كثير من التشريعات مثل ضرب النقود ووضع الخراج على الأراضى الزراعية ، وجمع السنة وتدوين القرآن ، وإنشاء الدواوين و إتخاذ السجون وغير هذا من المصالح التى وضعوا الأحكام بناء عليها
4 – المناسب الملغى : وهى صفات أو بمعنى آخر مصالح لم يعتبرها الشارع ولم يبنى عليها حكما ما ، وبالرغم مما قد يبدو أن فيها مصلحة إلآ أن هناك أدلة على منع إعتبارها ولآ يجوز بناء تشريع عليها مثل تساوى البنت والأبن فى البنوة لكى يتساوا فى الميراث ، فيبدو من الوهلة الأولى أن فى هذا التساوى مصلحة ولكن الشارع لم يرى هذه المصلحة ولذلك فهى مصلحة ملغاة.
ملحوظة : العلة التى نطلق عليها العلة المناسية المرسلة هى بعينها المدخل لدراسة أحد مصادر التشريع الإسلآمى التى نسميها "المصالح المرسلة"
طرق معرفة العلة أو مسالك العلة
هناك طرق بينها العلماء لإكتشاف العلة أهمها هى:
1 – النص : وهو نص القرآن أو السنة على علة الحكم ، وهكذا تسمى هذه العلة بالعلة المنصوص عليها ، ويمكن أن يكون هذا النص صراحة أو ايماء أى إشارة وتنبيها.
2 – الإجماع : وهو أن يجمع علماء المسلمين على أن صفة ما هى علة لحكم معين.
3 – السبر والتقسيم : والسبر يعنى الإختبار و تعنى هذه الطريقه جمع كل الصفات التى يمكن أن يكون لها علآقة بالشيئ وإخراج الصفات التى لآ يمكن أن يكون لها صلة بالحكم ، ثم إختبار الصفات الأخرى وإستبعاد من لآ يصلح منها لأن تكون أساسً للحكم ، وأضح مثال على ذلك هو خمر العنب الذى هو سائل ، لونه أحمر و مسكر.
فلآ يمكن أن تكون السيولة سبب التحريم لأن اللبن سائل وشربه ليس محرم ، ولآ يمكن أن يكون اللون سبب التحريم فعصير الرمان لونه أحمر وشربه ليس بمحرّم ، فيبقى الإسكار علةّ للتحريم ، وعليه فكل مسكر بالقياس على الخمر حرام.
الفرق بين علة الحكم وحكمته :
كما قلت فإن العلماء متفقون على أن الأحكام الشرعية تعلل بعللها وليس بحكمتها لأن الحكمة لآ يمكن أن يتوفر فيها شروط العلة المذكوره ، ولنأخذ مثالآ يوضح ذلك:
لقد أباح الله تعالى الإفطار وقصر الصلآة فى السفر وحكمة هذا الحكم هو رفع المشقة عن الناس. وقد إختلف العلماء حول المسافة التى على المسافر أن يقطعها حتى يصبح سفره سفرا يترتب عليه فى الإفطار فى رمضان أو قصر الصلآة ، وأقصى مسافة حددها العلماء يمكن لإنسان ما أن يقطعها بالسيارة فى مدة ساعة.
فهل فى السفر ساعة بالسيارة مشقة تستدعى الإفطار فى رمضان وقصر الصلآة ؟ إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال فأننا لآ نستطيع أن نعمم لأن المشقة تختلف من شخص لآخر ، وربما تتوقف أيضا على أداة السفر. إذا فالمشقة فى هذه الحالة أمر لآ تتوفر فيه شروط العلة ، ولذلك ربط العلماء الإفطار والقصر بالسفر نفسه. والسفر هنا معناه : " قطع مسافة لآ تقل عن قدر معين حدده العلماء على إختلآف بأى وسيلة ما" وهو أمر ظاهر منضبط بصرف النظر عن المسافر نفسه وعن الوسيلة التى يستعملها. وهكذا يتوفر الإنضباط فى أحكام الشريعة الإسلآمية إ>ا بنيت على علل ظاهرة منضبطة مناسبة ، وليس على حكمة الأحكام التى لآ تتوفر فيها هذه الشروط لأنها تختلف من شخص لآخر ومن ظرف لظرف.
والحمد لله رب العالمين
مراجع:
كتب أصول الفقه باب القياس لكل من
الشيخ عبد الوهاب خلآف
الشيخ محمد أبو زهرة
الشيخ محمد الخضرى
الدكتور وهبه الزحيلى
البرهان لإمام الحرمين الجوينى
المستصفى لحجة الإسلآم الغزالى