وزير الدفاع الألمانى هو كارل تيودور الذى إضطر بعد ضغط شديد إلى إعلآن إستقالته كوزير فى حكومة المستشارة ميركل والتخلى عن مقعده فى البرلمان الأتحادى ، وتوقفه عن ممارسة كل أنشطته السياسية ، ثم قراره مغادرة المانيا مع عائلته والأقامة فى الولآيات المتحدة.
ولماذا كل هذا؟
درس كارل تيودور القانون وتخرج من كلية الحقوق بجامعة من جامعات جنوب ألمانيا ، ثم قام بكتابة رسالة دكتوراه فى القانون الدستورى وحصل على درجة دكتور فى القانون من نفس الجامعة الشهيرة ،بعد ذلك قام بعدد من الأعمال فى مجالآت اقتصادية مختلفه قبل أن يقرر الدخول فى مجال السياسة من خلآل إلتحاقه بالحزب المسيحى الإشتراكى.
وسرعان ما ظهر تيودور فى سماء السياسة كالنجم الثاقب.
ساعده على هذا الظهور والصعود الصاروخى أنه من أسرة تنتمى إلى طبقة النبلآء ، رجل رشيق وجذاب ، وأمرأته كأنها ملكة للجمال حسب رأى جزأ معين من الصحافة ، فأصبح يُـذكّـر الألمان بالرئيس كندى وزوجته جاكلين ، ولذلك كان إسمهه مطروحا كمستشار ألمانيا المقبل الذى يمكن أن يكون خليفة لرئيسة الوزراء ، ورئيسة الوزراء فى المانيا لها سلطة تقارب سلطة رئيس الجمهورية فى بلد مثل مصر ، بالرغم من أن عمره لم يصل بعد الى الأربعين ، وساعد على ذلك أن الصحف الألمانية لم تتوقف يوما واحدا عن الكتابة عنه وأمرأته حمالة النُـبل والجمال!
تدرج تيدور من عضو فى البرلمان الى وزير للإقتصاد الألمانى ثم وزيرا للدفاع بسرعة فائقة ، وشهد له الجميع بالعمل الدئوب المنظم ، والإجتهاد الواضح فى القيام بمهمته على خير ما يرام ، بصرف النظر عن بعض الأخطاء التى غفرها المجتمع له حيث لم ير فيها إلآ أخطاء وزير مبتدأ لم يتمكن بعد من الإحاطة بأعمال وزارته وموظفيه على أرض الواقع.
فماذا حدث؟
كان من سوء حظ تيودور أن أحد الأساتذة الجامعييون أراد أن يقرأ رسالته للدكتوراه بعد مرور عدة سنوات على نشرها ، وسرعان ما وقع نظره على عدد من الجمل التى يعرفها جيدا ، كانت هذه الجمل من كتابة طالب من طلبة الأستاذ فى سنوات دراسته الأولى ، وكان الأستاذ يقوم بنشر الكتابات والأعمال الجيدة من طلبته فى الشبكة العنكبوتية كمثل لطلبة الجامعة حتى يحتذوا بها. رجع الأستاذ الى ماكتبه هذا الطالب فكانت دهشته أن وزير الدفاع قد نقل أفكاره وأحيانا ماكتبه الطالب حرفا حرفا فى رسالته للدكتوراه بدون أن يشير الى المصدر الذى نقل منه وذكر إسم الكاتب الأصلى.
وسرعان ما تبين ان رسالة دكتوراه القانونى والحقوقى تيدور تحتوى على عدد من مثل هذا النقل الخاطئ لأنه لم يشر فيه الى المصدر الذى نقل منه وعنه.
وإذا بالأمر يخرج للرأى العام سريعا ، وبين يوم وليلة أصبحت كل الصحافة تكتب عنه. وتداولت الأوساط العلمية هذا العمل بالإستغراب والإستنكار ، فهى ترى فى مثل هذه الأعمال إخلآل بأساليب البحث العلمى وبالأسس التى يقوم عليها وأولها الأمانة ، ولذلك تعتبر هذا العمل خيانة للأمانة وسرقة فكرية لآ تختلف من حيث المبدأ عن السرقة المادية.
إنتشر الأمر سريعا كما تنتشر النار فى الهشيم ، حتى دعت المعارضة البرلمان لمناقشة هذا الأمر الخطير فقد رأت أنه يتعلق بذمة وشرف أحد وزراء حكومة الدولة الألمانية. وفى الجلسه البرلمانية التى نوقش فيها هذا الأمر قيل ما قيل حتى وصل إلى درجة وصف الوزير بأنه كاذب وسارق ، وطالبوا بطرده من الوزارة.
ولكن المستشاره تمسكت به ودافعت عنه ، فسقوطه يعتبر سقوطا لعنصر هام فى لعبة الشطرنج التى تلعبها مع المعارضة ، مما يمثل إضعافا لموقعها على الرقعة السياسية.
وكانت حجتها أن المعارضة والشعب يجب أن يفصلا بين شخص تيدور العلمية ، حيث قطع علآقته بالبحث العلمى ، وشخصه كوزير يقوم بعمله بكفائة ، وكانت حجة المعارضة والهيئات العلمية أن الأمر يتعلق بتكوين شخصية الإنسان تيودور التى لآ تنفصل عنه ومرتبطة به فى أى عمل من أعماله . فمن يكذب هنا يمكن أن يكذب هناك ، ومن يخدع إستاذه الذى أشرف على رسالته يمكن أن يخدع شعبه والبرلمان والحكومة التى ينتمى إليهما.
وسرعان ما زاد الضغط على الدكتور السابق كارل تيودور الذى سحبت منه شهادة الدكتوراه ، والذى إرتقى الى أن يصبح وزيرا للدفاع تحت إسم الدكتور كارل تيودور ، وعندما لم يعد يتحمل هذا الضغط ترك منصيه كوزير وتخلى عن كل مناصبه الأخرى. و خوفا من أن تلآحقه لعنة المجتمع الألمانى أينما ذهب وحل قررمغادرة بلده وموطنه لعل المجتمع ينسى يوما ما فعلته القبيحة وسقوطه المذرى.
وما شان أحمد شفيق بكارل تيودور؟
لم يكن الدكتور أحمد شفيق وزير للإقتصاد أو وزيرا للدفاع ولكن وزيرا للطيران المدنى فى حكومة من حكومات مبارك ، وقد شهد له الجميع بحس الأداء وقيامه بالواجب المنوط به ، ولم يُـشع عنه (حتى الآن) بأنه تورط فى عمليات السلب والنهب لخيرات الشعب المصرى التى قام بها النظام البائد. وقد شهد له ظهوره فى عديد من المقابلآت التلفزيونية بالهدوء والإنفتاح على مطالب الثورة حتى سقط سقطته التى كشفت عن حقيقة فكره وشخصيته.
كان أحمد شفيق هو الرجل الذى وقع إختيار الرئيس المخلوع عليه ليكون رئيس لحكومة جديدة ، فأدى يمين الولآء للرئيس ونظامه ، ولكن الرئيس إضطر للرحيل وبقى المعين من قبله باقيا ، وبقى معه ولآئه للنظام الذى أقسم بالحفاظ عليه.
ولكن الشعب لم يكن يطالب فقط بتغيير الرئيس ولكن بتغيير النظام وكل توابعه ، ولذلك ظل المتظاهرون على مطالبتهم بتغيير شفيق وحكومته.
وكان الأمر يبدوا منطقيا ومعقولآ أن يبقى شفيق ووزارته ، فما زال الشعب باق ، وكذلك أيضا ميدان التحرير ، وإستمرار شفيق يمكن أن يعجل بحالة للأستقرار رحلت مع رحيل مبارك ورحيل جلآده الذى يدعى العادلى وجهازه القمعى .
ولم تكن سقطة أحمد شفيق هى أنه لم يستجب لمطالب الثوار التى إنتظروها منه ، ومنها الإفراج الفورى عن المعتقلين سياسيا بدون وجه حق ، وبدون أن يكونوا قد إرتكبوا جريمة قدموا على أساسها لأى محكمة ، عسكرية أو مدنية ، وصدر بحقهم حكم بالسجن ،
ولكن سقطته كانت عندما وجه اليه سؤال لماذا لآ تفرج عنهم؟
فقد أوضحت إجابته كيف يفكر هذا الضابط السابق الذى كان جزأ من النظام الذى ينبغى أن يتغير.
قال شفيق:
أنا مستعد إن أفرج عنهم بشرط أن يثبتوا حسن نيتهم قبل ذلك.
وكانت هذه الجملة وحدها كفيلة بعدم بقائه فى الوزارة ثانية واحدة ، وكان يجب أن تكون مدعاة لأن يخرج كل عاقل إلى شوارع مصرتطالب بإقصائه من الوزارة فورا ، وقد حدث ذلك بعدها بعدة أيام عندما نزل شباب مصر إلى ميدان التحرير يقولو ن بوضوح " مش هنمشى ، هو يمشى" ، أربع كلمات أبلغ من كل كلآم يمكن أن يكتب أو يقال.
ولكن لم يكن المطلب بسبب ماقاله رئيس الوزراء ولكن بسبب الثقة التى لآ يتمتع بها هو وكل من إرتبط بحسنى مبارك وحزبه الذى ليس له أدنى قدر من الوطنية.
كيف يمكن لسجين أن يُثبت حسن نيته وهو يعيش فى زنزانه؟
أم أن هناك غيره ينبغى أن يـُثبت حسن نيته لكى ينقل رئيس الوزاء حُسن هذه النية ، إذا إقتنع بها ، إلى الإنسان المُعتقل فى سجون الدولة ، مما يعنى ان المعتقل إعتقل بجريرة غيره ، وحسن نية غيره هى الكفيلة بفك أسره.
وماذا إذا لم يقتنع رئيس الوزرا بحسن هذه النية؟
والأسئلة يمكن أن تطول ،
ولكن ألآ يدل هذا أن سيادة اللواء الدكتور لآ يفكر بعقلية مرتبطة بقانون أو بحق من حقوق الإنسان أو كرامته ؟
هل يعرف بأن هناك شيئ إسمه سيادة القانون داس النظام السابق عليه بالأقدام ، وينبغى أن يعود له إحترامه مرة أخرى؟
هل يدل هذا على أن رئيس الوزراء السابق كان يفكر ، ويمكن أن يفكر بعقلية تختلف عن عقلية حبيب العادلى ومدير أمن الدولة السابق ؟
من الواضح ومن المؤكد لآ .
فهو لآ يختلف عنهم فى شيى ، ولو كان قد وكل بمعمل كعملهما لتصرف بنفس طريقة تصرفهما ولكان شريكا لهما اليوم فى المصير الذى آلوا إليه ، فقد كان الجميع من إختيار حسنى مبارك ، الذى ذهب بغير رجعة ، فأختياره كان وحدة واحدة لآ يختلف من حالة لأخرى.
فلماذا يطالب البعض الآن بعودة أحمد شفيق ، ليس ليكون رئيسا للوزراء ، بل ليكون رئيسا للجمهورية؟
هل هى الثورة المضادة؟ أم هو الفرق بين الشعب الألمانى والشعب المصرى؟
ام سذاجة بعض من أهل القرى؟
أم الإنتماء لحزب ذهب فى مهب الثورة؟