وقف سيف بن معمر قذاف الدم ، الذى سماه أبوه "سيف الإسلآم" متشبها بما نعت به رسول الله صلى الله عليه خالدا بن الوليد ، وشتان بين سيف وسيف ، سيف يقاتل فى سبيل الله ، وسيف لآ يعرف إلآ أين توجد بيوت المرح والمتعة فى سويسرا والنمسا وغيرها من البلآد ، هذا الذى وقف مهددا شعبا مسلما بالقتل والإرهاب والتجويع. هذا الذى إنتهب هو وأبيه وإخوته مئات الملياردات من رزق الله الذى وهبه لهذا الشعب بدون أن يختص به سيف ومعمر وعائشة من آل القذافى. سيف الذى كان يـُعد العدة ليكون خليفة لأبيه يحكم هذا الشعب حتى الممات.
و هذا سيف ، أما جمال الذى نشأ وتعلم فى مدارس تبشيرية وتخرج من الجامعة الأمريكية ، وتربى فى بيت لآ يُـقرأ فيه سيرة ولآ قرآن فلم يكن له هم إلآ جمع المال بلآ مراعاة لحلآل أو حرام ، وكان يطمع ويخطط لوراثة السلطة وكأن مصرا عزبة تـُورث والمصريون فعلة عند أبيه . وعلآ علآء على أرزاق الشعب الذى أنتهب ماله مع أمه وأبيه وأخيه .
هذه هى عينة من أبناء الحكام العرب الذين لم ينشأوا على خلق أو فضيلة . ولم يسمعوا عن أمثال عبد الله وعبيد الله من أولآد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وطبعا لم يسمعوا عن أحمد.
أحمد بن هارون الرشيد الذى ملك الدنيا فكان السحاب ينتقل على ملكه كيف يشاء الى أى جهة يشاء ، ولكن إذا سقط مطره فإنه يسقط فى داخل مملكته.
أحمد بن أمير الؤمنين هارون الرشيد ، وما أدراك ما أحمد:
كان أحمد زاهدا عابدا قد تنسك ، وكان لآ يأكل إلآ من عمل يده فى الطين ، أى كان يعمل فاعلا فيه ، ولا يملك إلآ فــأسا وقــفــة ، أو قل "فــأسا ومــقطـف"، وكان يعمل فى كل جمعة بدرهم ودابق يتقوت بهما من الجمعة إلى الجمعة ، فقد كان لآ يعمل إلآ فى يوم السبت فقط ، ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة.
كان أحمد من إمرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلآم ، ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من ياقوت أحمر ، وأشياء نفيسة ، وأمرها إذا صارت له الخلآفة وأصبح أميرا للمؤمنين أن تأتيه ، بعدما أرسلها وحيدة إلى بلد بعيد.
فلما صارت الخلآفة إليه لم تأته لآ هى ولآ ولدها ، بل إختفيا ، وبلغه أنهما ماتا ، ولم يكن الأمر كذلك ، وبحث عنهما فلم يطلع لهما على خبر ، فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كده وينفق على أمه ، حتى إذا توفيت رجع إلى بغداد ، وكان هناك يعمل أيضا فى الطين ويأكل من هذا العمل ، هذا وهو إبن أمير المؤمنين ، وكان لآ يذكر للناس من هو حتى مرض مرض الموت فى دار من كان يستعمله فى الطين ، فقام الرجل بتمريضه ، ولما أشرف أحمد على الموت أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل : إذهب بهذا الخاتم بعد مماتى إلى الرشيد وقل له : صاحب هذا الخاتم يقول لك : إياك أن تموت فى سكرتك هذه (لعله يقصد سكرة الملك) فتندم حيث لآ ينفع نادما ندمه ، واحذر إنصرافك من بين يدى الله الى الدارين (الجنة والنار) ، وأن يكون آخر العهد بك ، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك ، وسيصير إلى غيرك وقد بلغك أخبار من مضى.
قال الرجل : فلما مات دفنته ثم طلبت الحضور عند الخليفة ، فلما أُوقفت بين يديه قال : ما حاجتك ؟ قلت : يا أمير الؤمنين هذا الخاتم دفعه إلى رجل وأمرنى أن أدفعه إليك ، وأوصانى بكلآم أقوله لك ، فلما نظر الرشيد إلى الخاتم عرفه فقال : ويحك وأين صاحب هذا الخاتم ؟ قال فقلت : مات يا أمير المؤمنين .
ثم ذكرت الكلآم أوصانى به ، وذكرت له أنه كان يعمل بالفاعل فى كل جمعة يوما بدرهم ودانق ، أو بدرهم وأربع دوانق ، يتقوت بهما سائر الجمعة ، ثم يقبل على العبادة.
قال : فلما سمع أمير المؤمنين هذا الكلآم قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويقلب ظهرا لبطن ويقول : والله لقد نصحتنى يا بنى ، ثم يبكى ، ثم رفع رأسه الى الرجل وقال : أتعرف قبره ؟ قلت نعم ! أنا دفنته .
قال : إذا كان العشي فأتنى . قال : فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكى عنده حتى أصبح ، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلآف درهم. وكتب له ولعياله رزقا.
وها أنا ذا أنقل قصة أحمد بن أمير المؤمنين هارون الرشيد ، بعدما مات بألف وثلآثمئة وثمانية وأربعون عاما ، لنترحم عليه جميعا ونقول رحمك الله يا أحمد يا إبن أمير المؤمنين وأحسن مثواك ، فقد مات أحمد عام أربع وثمانين ومائة.
أما أنتم أيها الفسقة من أبناء ملك ملوك إفريقيا و حسنى المخلوع فلآ أعتقد إن أحدا سيتذكركم بعدما يمر على موتكم 48 وليس 1348 سنة ، وإذا تذكركم أحد فسوف يكون ذكره مصحوبا بالدعاء عليكم : على إبن القذافى الذى قتل آلآف المسلمين.
وأما أولآد حسنى فسيظل السؤال أيضا مطرحا من أين لكم هذه الملياردات وقد جعل أبوكم ملآيين الناس يعيشون تحت خط الفقر. وأظن أن أحدا لن يترحم عليكم ، بل سوف يقول كما أقول : الحمد لله الذى أبعدكم عنا وأراحنا منكم.
المصدر : إبن كثير ، البداية والنهاية ، دار الريان ، 1988 ، المجلد الخامس ، الجزأ العاشر ، ص. 191، بتصرف بسيط