شهدت محكمة أمن الدولة العليا أمس مفاجآت فى أولى جلسات محاكمة شبكة التجسس المتهمة لصالح إسرائيل، وتضم صاحب شركة استيراد وتصدير كان يعمل مدرباً للكونغ فو يدعى طارق عبدالعزيز حسن، «٣٧ سنة»، وإسرائيليين هاربين. ظهر المتهم المصرى للمرة الأولى أمام الرأى العام، وفاجأ الجميع أمام هيئة المحكمة برفضه حضور المحامية التى صاحبته خلال جلسات التحقيق فى نيابة أمن الدولة العليا. وقال إنه لا يعرفها وأنها تتواطأ مع أمن الدولة. وطلب المتهم محامياً آخر حدد اسمه لحضور جلسات المحاكمة معه. فيما قدمت محاميته مذكرة لهيئة المحكمة تعلن فيها تنحيها. فقررت المحكمة التأجيل لجلسة غد - الاثنين - لإعلان المحامى الجديد وحضوره للدفاع عن موكله.
فى التاسعة من صباح أمس، استعدت مديرية أمن حلوان بإجراءات مشددة فى أولى جلسات محاكمة المتهمين وخصصت ٦٠٠ مجند و٢٠ سيارة أمن مركزى، وبوابات دخول إلكترونية وشرطة نسائية، وأحضر الحرس المتهم من سجن مزرعة طره واصطحبوه إلى قفص الاتهام من خلال الممر الأرضى، ولم يتمكن أحد من المصورين من التقاط صور واضحة له. ظهر المتهم «طارق» داخل قفص الاتهام للمرة الأولى أمام الصحفيين. ولم يسمح للمصورين أو كاميرات التليفزيون بالدخول طبقا لقرار مجلس القضاء الأعلى.
بدى المتهم قوى البنيان.. ثائرا.. ورفض الحديث مع أحد من الصحفيين . وقال «كل ما عندى سأقوله أمام هيئة المحكمة».
صعدت هيئة المحكمة برئاسة المستشار جمال الدين صفوت رشدى إلى المنصة، ووقفت محامية المتهم «عصمت عقل» ومحام آخر قال إن معه توكيلاً من أسرة المتهم، ونادى الحاجب على المتهمين «طارق» والإسرائيليين الهاربين، وقبل أن تبدأ المحكمة إجراءاتها قاطعها المتهم ثائراً طالبا الحديث. فنبهه القاضى بضرورة التنسيق مع محاميته قبل الحديث فى أى شىء. إلا أن المتهم صرخ داخل قاعة المحكمة، وقال «المحامية دى لا أعرفها ولا أريد أن تكون محاميتى فهى تتعاون مع أمن الدولة.. ولا أريدها أن تدافع عنى.. والمحامى الذى يقف إلى جوارها لا أعرفه.. أنا عاوز محامى آخر اسمه محمود الطحيوى». ودارت مشادة كلامية بين المتهم ومحاميته. ووقتها قالت المحامية إن المتهم خائن لمصر وأنها لا يمكنها أن تدافع عن مثله. فاعتبرت المحكمة أن المحامية أساءت إلى موكلها. وأنها أصدرت حكما مسبقا ضده. وطالبتها بالتنحى. فقالت المحامية إنها بالفعل تتنحى وأنها أعدت مذكرة بذلك.. وقالت فى المذكرة إن المتهم غير متعاون معها. وأنه يكذب عليها ورفض الحديث معها خلال الزيارتين اللتين قامت بهما فى سجن مزرعة طره.
وأضافت المحامية أنها توجهت إلى السجن لزيارة المتهم. إلا أنه فى المرة الأولى تحدث إليها بأسلوب غير لائق ورفض التعاون معها، وأنها اتصلت بأسرته وأبلغتهم بذلك. إلا أنهم طلبوا منها أن تعذره وتقف إلى جواره، وبعدها فوجئت باتصال منهم يبلغونها بأنهم تحدثوا معه وزاروه فى السجن وأنه يريد مقابلتها، فتوجهت لزيارته مرة أخرى بعد الحصول على إذن زيارة، إلا أنها فوجئت بمأمور السجن يخطرها بأن المتهم لا يريد مقابلتها. فأبلغت مأمور بأن المتهم هو الذى يريد مقابلتها. ودللت على صدق كلامها بحوار دار بين مأمور السجن والمتهم «حيث طلب المتهم منه سخانا. إلا أن المأمور اعتذر له وأبلغه بأن هناك سخاناً فى العنبر». ووقتها قررت إعداد مذكرة لتقديمها إلى المحكمة فى أولى الجلسات للتنحى عن القضية.
وسألت المحكمة المحامى الآخر «عبدالعزيز عبدالعليم» عن التوكيل الذى يحمله من أسرة المتهم. فقال المحامى إن الأسرة اتصلت به ووكلته تليفونيا نظرا لتعذر مقابلتهم بسبب احتجازهم من قبل الأمن. وتعذر وصولهم إلى القاعة. وقال مصدر أمنى لـ«المصرى اليوم» إن المتهم طلب من أسرته ألا يحضروا إلا بعد صدور حكم فى القضية وإغلاقها.
قررت هيئة المحكمة رفع الجلسة، وتأجيل القضية إلى جلسة غد - الاثنين - لإخطار المحامى الجديد بحضور الجلسة المقبلة للدفاع عن المتهم.
وأشارت المحكمة إلى أن المادة «٦٧» من الدستور المصرى والمادة «٣٧٥» من قانون الإجراءات الجنائية تحتمان أن يكون هناك محام للدفاع عن المتهم وأن يؤدى هذا المحامى عمله بالأمانة والصدق مستوفيا جميع أوجه الدفاع الجوهرية والثانوية، وألا يحق للمحكمة أن تنحيه عن القضية وندب محامى آخر للدفاع عنه، لحفظ حقوقه مهما كانت التهمة الموجهة إليه وإلا أصبح الحكم باطلاً بطلاناً مطلقاً.
كانت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، بإشراف المستشار طاهر الخولى، المحامى العام، كشفت أن المتهم نشأ فى أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وسافر إلى الصين فى منتصف التسعينيات لدراسة رياضة الكونغ فو، ثم عاد وعمل مدرباً بأحد الأندية التابعة لمؤسسة مهمة، قبل أن يمر بضائقة مالية، ويسافر إلى الصين مجدداً عام ٢٠٠٦ بحثاً عن عمل لكنه فشل، إلى أن التفت إلى إعلان نشره موقع الموساد الإسرائيلى على الإنترنت يطلب عملاء شرق أوسطيين، فأرسل يطلب العمل، وبالفعل تم تجنيده وتدريبه.
وتضيف التحقيقات أن الموساد كلف المتهم بعدد من المهام الخطيرة، منها تجنيد موظفين لديهم خبرة فى مجالات الاتصالات فى مصر خاصة فى شركات المحمول الثلاث موبينيل وفودافون واتصالات، برواتب مجزية، وأنه أمدهم بالفعل بمعلومات عن موظفين مصريين يصلحون للعمل كجواسيس، ومعلومات أخرى عن سوريين ولبنانيين، وحصل مقابل ذلك على ٣٧ ألف دولار أمريكى.
وتابعت التحقيقات أن الموساد كلف المتهم بالاتصال برئيس تحرير واحدة من كبرى الصحف اللبنانية المقربة من النظام السورى، وحزب الله. وكشف المتهم فى اعترافاته - التى انفردت «المصرى اليوم» بنشرها - أن الموساد تمكن من تجنيد مسؤول أمنى فى سوريا وحصل منه على معلومات مهمة عن الملف النووى السورى، وأن الموساد طلب من المتهم اختراق الجماعات الإسلامية وجمع معلومات عن تجار السلاح فى مصر . كما طلب منه تجنيد رجل إعمال فلسطينى يعيش فى جنوب أفريقيا ويعد الممول الأول للمقاومة الفلسطينية.
وقال عبدالعزيز عامر المحامى الذى تقدم بطلب لرئيس الجلسة للترافع عن المتهم، إنه اتفق مع أسرة «طارق» على الدفاع عنه ولكن الأسرة فشلت فى تحرير توكيل له للضغوط التى تمارس عليهم إضافة إلى منعهم من الخروج من المنزل - على حد قوله - وأضاف أن رفض طارق الدفاع عنه جاء بسبب التشتت والضغط العصبى الذى يمارس عليه، ومشيرا إلى أنه سيحصل على توكيل للدفاع عن طارق من الأسرة وأن ذلك سيجبر المتهم على الموافقة بعد علمه بأن أسرته هى التى وكلته.